قام فريق من العلماء في جامعة ميامي، بالتعاون مع أستاذين من معهد جورجيا التقني وجامعة روتشستر، بتطوير نوع جديد من الجزيئات قد يُحدث تحولاً كبيراً في صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات. هذا الابتكار يفتح المجال أمام إمكانية استبدال السيليكون المستخرج من الرمال والمعادن الأخرى، وهي المواد الرئيسية المستخدمة حالياً في تصنيع شرائح الحواسيب.
ووفقاً لبيان صادر عن الجامعة، أعلن الباحثون أنهم اكتشفوا ما يعتبرونه "أكثر الجزيئات العضوية قدرة على توصيل الكهرباء في العالم". وتشير الدراسة إلى إمكانية بناء أجهزة حوسبة أصغر حجماً وأكثر قوة باستخدام عناصر طبيعية مثل الكربون والكبريت والنيتروجين.
خلال العقود الخمسة الماضية، كان عدد الترانزستورات في كل شريحة يتضاعف تقريباً كل عامين. لكن مع اقتراب التكنولوجيا القائمة على السيليكون من حدودها الفيزيائية، بات من الصعب الاستمرار في تصغير المكونات الإلكترونية بالطريقة التقليدية. هذا التحدي دفع الفيزيائي كون وانغ وفريقه في جامعة ميامي للبحث في استخدام الجزيئات الصغيرة كوسيلة لنقل الكهرباء.
وأوضح وانغ أن هذا الإنجاز يمثل أول دليل على إمكانية مرور الإلكترونات عبر الجزيئات العضوية دون فقدان للطاقة، حتى عبر مسافات تصل إلى عشرات النانومترات. وأضاف أن الجزيئات المطورة تتمتع بالاستقرار في الظروف اليومية، وتوفر أعلى مستويات التوصيل الكهربائي المعروفة حتى الآن عبر أطوال جزيئية كان يُعتقد سابقاً أنها غير عملية. هذا الاكتشاف قد يمهد الطريق لإنتاج أجهزة أصغر حجماً وأكثر كفاءة وأقل تكلفة.
على عكس الجزيئات التقليدية التي يقل توصيلها الكهربائي مع زيادة حجمها، فإن "الأسلاك الجزيئية" الجديدة تعمل كقنوات فعالة لنقل المعلومات ومعالجتها وتخزينها، مما قد يفتح الباب أمام جيل جديد من أجهزة الحوسبة.
وبيّن وانغ أن ما يميز النظام الذي طوره فريقه هو أن الإلكترونات تعبر الجزيء بسرعة عالية جداً ودون فقدان للطاقة، مما يجعله من الناحية النظرية من أكثر أنظمة نقل الإلكترونات كفاءة على الإطلاق. وأكد أن هذا الابتكار لا يعني فقط إمكانية تصغير حجم الأجهزة، بل قد يتيح أيضاً وظائف جديدة لم تكن ممكنة باستخدام المواد المستندة إلى السيليكون.
من جانبه، أوضح مهرداد شيري، الباحث المشارك وطالب الدراسات العليا في جامعة ميامي، أن هذا الجزيء يمثل خطوة كبيرة نحو تطبيقات عملية بفضل استقراره الكيميائي ومقاومته للهواء، كما يمكن دمجه مع المكونات النانوية الإلكترونية الحالية ليعمل كأسلاك أو وصلات بين الشرائح.
وأشار شيري إلى أن المواد المستخدمة في تصنيع هذا الجزيء منخفضة التكلفة ويمكن إنتاجها في المختبر، ما يمنحه مزايا جديدة لا توفرها المواد التقليدية، ويساهم في تحسين أداء وكفاءة الأجهزة دون زيادة التكاليف.
واختتم وانغ بالتأكيد على أن التوصيل الكهربائي الفائق الذي تحقق يعود إلى تفاعل فريد بين لفات الإلكترون على طرفي الجزيء، مما قد يمهد لاستخدامه مستقبلاً كوحدة كوانتية (كيوبت)، وهي العنصر الأساسي في الحوسبة الكمومية.