تشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين توترًا متصاعدًا منذ عام 2018، حيث تحوّلت المنافسة الاقتصادية بين البلدين إلى حرب تجارية تعتمد بشكل كبير على فرض ضرائب ورسوم جمركية، لا سيما على الشحن البحري. فرضت الولايات المتحدة خلال هذه الفترة رسومًا جمركية على سلع صينية تزيد قيمتها على 550 مليار دولار، شملت معدات إلكترونية، معادن، وأجزاء صناعية. وردّت الصين بفرض رسوم على سلع أمريكية تفوق قيمتها 185 مليار دولار، مثل المنتجات الزراعية والسيارات والطاقة.
تُعد ضرائب الشحن أحد الأسلحة الاقتصادية التي استخدمها الطرفان ضمن استراتيجيتهما لحماية صناعاتهما المحلية وإضعاف الصادرات المنافسة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت التعرفة الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض المنتجات الصينية من متوسط 3% إلى أكثر من 25% في بعض الحالات، ما ضاعف من تكلفة الشحن والتوريد. كما ارتفعت تكلفة شحن الحاوية الواحدة من الصين إلى الموانئ الأمريكية من نحو 1500 دولار في 2019 إلى أكثر من 15,000 دولار في ذروة الأزمة عام 2021، ما شكّل عبئًا كبيرًا على المستوردين الأمريكيين والمستهلكين في نهاية المطاف.
هذا التصعيد أدى إلى تراجع حجم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 17% في عام 2023، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية. كما بدأت شركات أمريكية كثيرة بإعادة النظر في سلاسل التوريد، ونقلت مصانعها من الصين إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند للحد من الضرائب وخفض تكاليف الشحن. الصين بدورها عززت استثماراتها في مبادرة الحزام والطريق لتوسيع شبكات النقل والتجارة، وتقليل اعتمادها على السوق الأمريكي، فيما تحاول الولايات المتحدة تقوية الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على البضائع الصينية ضمن ما يعرف بسلاسل التوريد الآمنة.
منافسة ضرائب الشحن بين واشنطن وبكين لا تتعلق فقط بالأرباح والخسائر، بل تعكس صراعًا استراتيجيًا على النفوذ الاقتصادي العالمي. وقد أدت هذه السياسات إلى تغييرات عميقة في حركة التجارة الدولية، وجعلت من الضرائب الجمركية أداة سياسية بقدر ما هي اقتصادية، تؤثر على قرارات التصنيع، التوزيع، وحتى التحالفات التجارية بين الدول.